هذه المدائح أملاها الحبّ العميق
فهي صادرة من قلوب أسياد هذه الأمّة
الذين شرفوا بالرسول الأكبر عليه وآله الصلاة والسلام
فشرف بهم الزمان
مدح النَّبيّ صلى الله عليه وسلّم
قال عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه:
ألمْ ترَ أنَّ اللهَ أبلَى رسولَهُ ... بلاءَ عزيزٍ ذي اقتدارٍ وذي فضلِ
بما أنزلَ الكفَّارَ دارَ مذلَّةٍ ... فلاقَوْا هواناً من إسارٍ ومن قتلِ
فأمسَى رسولُ اللهِ قدْ عزَّ نصرُهُ ... وكانَ رسولُ اللهِ أُرسلَ بالعدلِ
فجاءَ بفرقانٍ منَ اللهِ منزلٍ ... مبيَّنةٌ آياتُهُ لذوي العقلِ
فآمنَ أقوامٌ بذاكَ وأيقنوا ... فأمسَوْا بحمدِ اللهِ مُجتمعي الشَّملِ
أنكرَ أقوامٌ فزاغتْ قلوبهمْ ... فزادهُمُ ذو العرشِ خبلاً على خبلِ
وأمكنَ منهمْ يومَ بدرٍ رسولَهُ ... وقوماً غِضاباً فعلُهم أحسنُ الفعلِ
وقال عمر بن الخطَّاب، رضي الله عنه:
ألمْ ترَ أنَّ اللهَ أظهرَ دينَهُ ... على كلِّ دينٍ قبلَ ذلكَ حائِدِ
وأمكنَهُ من أهلِ مكَّةَ بعدَمَا ... تداعَوْا إلى أمرٍ منَ الغيِّ فاسِدِ
غداةَ أجالَ الخيلَ في عَرَصاتِها ... مسوَّمةً بينَ الزُّبيرِ وخالِدِ
فأمسَى رسولُ اللهِ قد عزَّ نصرُهُ ... وأمسَى عِداهُ من قتيلٍ وشارِدِ
وقال العباس بن عبد المطّلب، رضي الله عنه:
من قبلِها طبتَ في الجنانِ وفي ... مستودَعٍ حيثُ يُخْصَفُ الورَقُ
ثمَّ هبطتَ البلادَ لا بشَرٌ ... أنت ولا مُضْغَةٌ ولا عَلَقُ
بل نطفةٌ تركبُ السّفينَ وقد ... ألجمَ نسْراً وقومَهُ الغَرَقُ
تُنقلُ من صالبٍ إلى رَحِمٍ ... إذا مضى عالمٌ بدا طبَقُ
حتَّى احتوَى بيتكَ المهيمنُ من ... خِنْدفَ علياءَ تحتَها النُّطقُ
وأنتَ لمّا وُلدتَ أشرقتِ ال ... أرضُ وضاءتْ بنورِكَ الأُفقُ
فنحنُ في ذلكَ الضِّياءِ وفي النُّ ... ورِ وسُبْلَ الرَّشادِ نخترِقُ
وقال طالب بن أبي طالب:
فما إنْ جَنَينا في قريشٍ عظيمةً ... سِوى أنْ حَمَينا خيرَ منْ وطئَ التُّربا
أخا ثقةٍ في النَّائباتِ مُرَزَّأٍ ... كريماً ثناهُ لا بخيلاً ولا ذَرْبا
يطيفُ به العافونَ يغشَوْنَ بابَهُ ... يؤمُّونَ نهراً لا نَزُوراً ولا صَرْبا
وقال عبد الله بن رواحة، رضي الله عنه:
إنِّي تفرّست فيكَ الخيرَ أعرفهُ ... واللهُ يعلمُ أنْ ما خانني البصرُ
أنتَ النَّبيّ ومن يحرمْ شفاعتَهُ ... يوم الحسابِ فقد أزرى به القدرُ
فثبّت اللهُ ما آتاك من حسنٍ ... تثبيتَ موسى ونصراً كالَّذي نُصروا
وقال كعب بن مالك، رضي الله عنه:
ألا هلْ أتَى غسَّانَ في نأيِ دارِها ... وأخبَرُ شيءٍ بالأُمورِ عليمُها
بأنْ قد رمتْنا عن قسيٍّ ضوامرٍ ... معدٍّ جهَّالُها وحليمُها
لأنَّا عبدْنا الله لم نرجُ غيرَهُ ... رجاءَ الجِنانِ إذْ أتانا زعيمُها
نبيٌّ لهُ في قومِهِ إرثُ عزَّةٍ ... وأعراقُ صدقٍ هذَّبتها أرُومُها
فسارُوا وسرْنا والتقينا كأنَّنا ... أسودُ لقاءٍ لا يرجَّى كليمُها
ضربناهُمُ حتَّى هوَى في مَكَرِّنا ... لمنخَرِ سوءٍ من لؤيٍّ عظيمُها
وقال أيضاً:
سائلْ قريشاً غداة السَّفحِ من أُحدٍ ... ماذا لقينا وما لاقَوْا من الهربِ
كنَّا الأُسودَ وكانوا النّورَ إذْ زَحَفوا ... ما إنْ نراقبُ من إلٍّ ولا نسبِ
فكمْ تركنا بها من سيِّدٍ بطلٍ ... حامي الذِّمارِ كريمِ الجدِّ والحسبِ
فينا الرَّسولُ شهابٌ ثمَّ يتبعُهُ ... نورٌ مضيءٌ له فضلٌ على الشُّهبِ
الحقُّ منطقُهُ والعدلُ سيرتُهُ ... فمن يُجبْهُ إليه ينجُ من تَبَبِ
نجدُ المقدَّمِ ماضي الهمِّ معتزمٌ ... حينَ القلوبُ على رجفٍ من الرُّعبِ
يمضي ويذمُرُنا من غيرِ معصيةٍ ... كأنَّهُ البدرُ لم يُطبعْ على الكذبِ
بَدَا لنا فاتَّبعناهُ نصدِّقُهُ ... وكذَّبوهُ فكنَّا أسعدُ العربِ
جالُوا وجلْنا فما فاؤُوا ولا رجَعُوا ... ونحنُ نَثْفِنُهم لم نأْلُ في الطَّلبِ
ليسا سواءً وشتّى بينَ أمرِهما ... حزبُ الإلهِ وأهلُ الشِّركِ والنُّصبِ
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
قضيْنا مِن تِهامَةَ كلَّ ريبٍ ... وخيبَرَ ثمَّ أجمعْنا السُّيوفا
نخيِّرُها ولوْ نطقتْ لقالتْ ... قواطعهنَّ دَوْساً أوْ ثَقيفا
أجدَّهُمُ أليسَ لهمْ نصيحٌ ... منَ الأقوامِ كانَ بِنا عَريفا
يخبِّرهمْ بأنَّا قدْ جمعْنا ... عتاقَ الخيلِ والنُّجُبَ الطُّروفا
رئيسهُمُ النَّبيّ وكانَ صُلباً ... نقيَّ القلبِ مصطبراً عَزُوفا
نُطيعُ نبيَّنا ونُطيعُ ربّاً ... هوَ الرَّحمنُ كانَ بنا رَؤُوفا
وقال:
عصيتُم رسولَ اللهِ أُفٍّ لدينكمْ ... وأمرِكم السَّيئِ الَّذي كانَ غاوِيا
وإنِّي وإنْ عنَّفتُموني لقائلٌ ... فدًى لرسولِ اللهِ أهلي ومالِيا
أطعناهُ لم نعدلْهُ فينا بغيرِهِ ... شِهاباً في ظلمةِ اللَّيْلِ هادِيا
وقال أيضاً من قصيدةٍ:
وفينا رسولُ الله نتبعُ أمرَهُ ... إذا قالَ فينا القولَ لا نتطلَّعُ
تَدَلَّى عليهِ الرُّوحُ من عندِ ربِّهِ ... ينزَّلُ من جوِّ السَّمَاءِ ويرفَعُ
نُشاوره في ما نريدُ فقصرُنا ... إذا ما اشتهَى أنَّا نُطيع ونسمَعُ
وقالَ رسولُ الله لمَّا بدَوْا لهُ ... ذَرُوا عنكُم هولَ المنيَّةِ واطْمَعُوا
وكونُوا كمنْ يَشري الحياةَ تقرُّباً ... إلى ملكٍ يُحيى لديهِ ويُرجَعُ
وقال حسَّان بن ثابت، رضي الله عنه:
عدِمْنا خيلَنَا إنْ لم تَرَوْها ... تثيرُ النَّقعَ موعدُها كَداءُ
يبارينَ الأعنَّةَ مُصغياتٍ ... على أكتافِها الأَسَلُ الظِّماءُ
تظلُّ جيادُنا مُتَمَطِّراتٍ ... يلطِّمهنَّ بالخُمُرِ النِّساءُ
فإمَّا تعرضُوا عنَّا اعْتَمَرنا ... وكانَ الفتحُ وانكشَفَ الغطاءُ
وإلاَّ فاصبِرُوا لجلادِ يومٍ ... يعزُّ اللهُ فيه مَن يشاءُ
وجبريلٌ رسولُ اللهِ فينا ... وروحُ القدسِ ليسَ له كِفاءُ
وقالَ اللهُ قد أرسلتُ عبداً ... يقولُ الحقَّ إن نفعَ البلاءُ
شهدتُ لهُ فقوموا صدّقوه ... فقلتم لا نقومُ ولا نشاءُ
وقالَ اللهُ قد سيَّرتُ جُنداً ... هُم الأنصارُ عُرْضَتُها اللِّقاءُ
وقال أيضاً:
صلَّى الإلهُ على ابنِ آمنةَ الَّذي ... جاءتْ بهِ سبطَ البَنانِ كريما
يا أيُّها الرَّاجونَ منهُ شفاعةً ... صلُّوا عليهِ وسلِّموا تسليما
وقال أيضاً:
مَتَى يبدُ في الدَّاجي البهيمِ جبينُهُ ... يَلُحْ مثلَ مصباحِ الدُّجَى المتقِّدِ
فمنْ كانَ أوْ مَنْ قد يكونُ كأحمدٍ ... نظاماً لحقٍّ أوْ نكالاً لمُفسِدِ
وقال أيضاً:
أظنّ عُيينَةُ إذْ زارَهَا ... بأنْ سوفَ يهدمُ فيها قُصُورا
فعفْتَ المدينةَ إذْ زُرتَهَا ... وآنستَ للأُسدِ فيها زئيرا
أميرٌ عَلَيْنا رسولُ الملي ... كِ أحببْ بذاكَ إلينا أميرا
رسولٌ نصدِّقُ ما قالَهُ ... ويتلُو عَلَيْنا كتاباً مُنيرا
وقال أبو الطُّفيل عامر بن واثلة:
إنَّ النَّبيّ هوَ النُّورُ الَّذي كشفتْ ... بهِ عمايَةُ ماضينا وباقينا
ورَهْطُه عِصمةٌ في ديننا ولهم ... حقٌّ عَلَيْنا وفضلٌ واجبٌ فينا
وقال العباس بن مرداس:
يا خاتمَ النُّبَآءِ إنَّكَ مُرسلٌ ... بالحقِّ كلُّ هُدى السَّبيل هُداكا
إنَّ الإلهَ بنى عليك محبَّةً ... في خلقِهِ ومحمَّداً سمَّاكا
ثمَّ الَّذين وَفَوا بما عاهدتهمْ ... جندٌ بعثتَ عليهمُ الضَّحّاكا
رجل به ذَرَبُ السِّلاحِ كأنَّهُ ... لمَّا تكنَّفهُ العدوُّ يَرَاكا
يغشَى ذوي النَّسبِ القريبِ وإنَّما ... يبغي رضَى الرَّحمنِ ثمَّ رِضاكا
أُنبيكَ أنِّي قد رأيتُ مَكَرَّهُ ... تحتَ العجاجةِ يدمَغُ الإشراكا
طوراً يعانقُ باليَدَينِ وتارةً ... يفري الجماجمَ صارماً بتّاكا
يغشَى بهِ هامَ الكُماةِ ولو تَرَى ... منهُ الَّذي عاينتُ كانَ شِفاكا
وبنو سُليمٍ مُعنقونَ أمامَهُ ... ضرباً وطعناً في العدوِّ دِراكا
يمشُونَ تحتَ لوائِهِ وكأنَّهمْ ... أُسدُ العرينِ أردْنَ ثَمَّ عِراكا
لا يرتجونَ منَ القريبِ قرابةً ... إلاَّ لطاعةِ ربِّهمْ وسِواكا
هذي مشاهدُنا الَّتي كانتْ لنا ... معروفةٌ ووَلِيُّنا مولاكا
وقال أيضاً:
يا أيُّها الرَّجلُ الَّذي تهوي بهِ ... وجناءُ مُجمرَةُ المناسِمِ عِرمِسُ
إمَّا أتيتَ على الرَّسولِ فقلْ لهُ ... حقّاً عليكَ إذا اطمأنَّ المجلسُ
يا خيرَ مَنْ ركبَ المطيَّ ومن مشَى ... فوقَ التُّرابِ إذا تعدُّ الأنفسُ
إنَّا وفيْنا بالَّذي عاهدْتنا ... والخيلُ تُقدَعُ بالكُماةِ وتضرَسُ
إذا سالَ من أفناءِ بَهْثَةَ كلِّها ... جمعٌ تظلُّ به المخارم ترجُسُ
حتَّى صَبَحْنا أهلَ مكَّة فيلقاً ... شهباء يقدمُها الهمامُ الأشوَسُ
نمضي ويحرُسُنا الإلهُ بحفظِهِ ... واللهُ ليسَ بضائعٍ مَنْ يحرُسُ
وقال أيضاً:
فمنْ مُبلغُ الأقوامَ أنَّ محمَّداً ... رسولَ الإله راشدٌ حيثُ يمَّما
دَعَا ربَّهُ واستنصَرَ اللهُ وحدَهُ ... فأصبحَ قدْ وفَّى إليهِ وأنْعَمَا
سَرَينا وواعدْنا قُدَيداً محمَّداً ... يؤُمُ بنا أمراً من اللهِ مُحكَمَا
وقال كعب بن زهير من قصيدة:
نُبِّئتُ أنَّ رسولَ اللهِ أوعَدَني ... والعفوُ عندَ رسولِ اللهِ مأمولُ
مهلاً هداكَ الَّذي أعطاكَ نافِلةَ ال ... قُرآنِ فيها مواعيظٌ وتفصيلُ
إنَّ النَّبيّ لنورٌ يستضاءُ بهِ ... مهنَّدٌ من سيوفِ اللهِ مسلولُ
في عصبةٍ من قريشٍ قالَ قائلهمْ ... ببطنِ مكَّةَ لمَّا أسلَمُوا زُولوا
شُمّ العرانين أبطالٌ لبوسهُمُ ... من نسج داوُدَ في الهَيْجا سرابيلُ
ليسُوا مفاريحَ إنْ نالَت رماحهُمُ ... قوماً وليسُوا مجازيعاً إذا نِيلوا
لا يقعُ الطَّعنُ إلاّ في نحورهمُ ... ليسَ لهمْ عن حياضِ الموتِ تهليلُ
وقال أيضاً، وتروى لأبي دهبل:
تحملُهُ النَّاقَةُ الأدماءُ مُعتجراً ... بالبُرْدِ كالبدرِ جَلَى ليلَةَ الظَّلَمِ
وفي عطافيهِ أو أثناءَ بُردتِهِ ... ما يعلمُ اللهُ من دينٍ ومن كرمِ
وقال مازن بن الغَصوبة:
إليكَ رسولُ الله خَبَتْ مطيَّتي ... تجوبُ الفيافي من عُمَانَ إلى العرجِ
لتشفَعَ لي يا خيرَ من وطئَ الحَصَى ... فيغفرَ لي ربِّي فأرجعَ بالفلجِ
قال أبو دهبل في بعض الروايات:
إنَّ البيوت معادنٌ فنجارُهُ ... ذهبٌ وكلُّ بيوتهِ ضَخْمُ
عُقِمَ النِّساءُ فما يلدنَ شبيهَهُ ... إنَّ النِّساء بمثلِه عُقْمُ
مُتهلّل بنَعَمْ بلا متباعِدٌ ... سيَّان منهُ الوفرُ والعُدْمُ
نَزْرُ الكلامِ من الحياءِ تخالُهُ ... ضِمْناً وليسَ بجسمهِ سقْمُ
وقال مالك بن عوف:
ما إنْ رأيتُ ولا سمعتُ بمثلِهِ ... في النَّاسِ كُلّهم كمثلِ محمَّدِ
أوفَى وأعطَى للجزيل إذا اجتُدِي ... ومَتَى تَشَأْ يخبرْكَ في الغدِ
وإذا الكتيبةُ عرَّدت أنيابُها ... بالسَّمهريِّ وضربِ كلِّ مهنَّدِ
فكأنَّهُ ليثٌ على أشبالِهِ ... وسطَ الهباءةِ خادرٌ في مرصدِ
وقالت عاتكة بنت عبد المطَّلب:
ألا بأبي يومَ اللِّقاءِ محمَّداً ... إذا عضَّ من عُودنِ الحروبِ الغواربُ
كما برَدَتْ أسيافُهُ عن مليلةٍ ... زعازعَ وِردٍ بعدَ إذْ هيَ صالبُ
وما فرَّ إلاَّ رهبَةَ الموتِ منهُمُ ... حكيمٌ وقدْ أعيتْ عليهِ المذاهبُ
وقال سواد بن غزيَّة الأنصاريّ:
أتاني نجييّ بعد هدْءٍ ورَقدةٍ ... ولم يكُ فيما قد بلوتُ بكاذبِ
ثلاث ليالٍ قَولُه كلّ ليلةٍ ... أتاك نبيٌّ من لُؤيّ بنِ غالبِ
فرفَّعتُ أذيالَ الإزار وشمَّرتْ ... بيَ العِرمسُ الوجناءُ حولَ السَّباسبِ
فأشهدُ أنَّ الله لا شيءَ غيرهُ ... وأنَّكُ مأمونٌ علَى كلِّ غائبِ
وأنَّك أدنَى المرسلينَ وسيلةً ... منَ الله يا ابنَ الأكرمينَ الأطايبِ
فمُرْنا بما يأتيك من وحيِ ربّنا ... وإنْ كانَ فيما جئتَ شيبُ الذّوائبِ
وكنْ لي شَفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ... بمغنٍ فَتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
وقال عبد الله بن الزِّبَعْرى:
يا رسولَ المليكِ إنَّ لساني ... راتقٌ ما فتقتَ إذْ أنا بُورُ
يشهدُ السَّمعُ والفؤادُ بما قُلْ ... تُ ونفسي الشَّهيدُ وهي الخبيرُ
إنَّ ما جئْتَنا بهِ حقُّ صدقٍ ... ساطعٌ نورُهُ مضيءٌ منيرُ
جئْتَنا باليقينِ والصِّدقِ والبِ ... رِّ وفي الصِّدقِ واليقينِ سرورُ
أذْهَبَ اللهُ ضلَّةَ الجهلِ عنَّا ... وأتانا الرَّخاءُ والميسورُ
وقال أيضاً:
فاليومَ آمَنَ بعدَ قسوتِهِ ... عَظْمي وآمَنَ بعدَهُ لَحْمي
بمحمَّدٍ وبما يجيءُ بهِ ... مِنْ سُنَّةِ البرهانِ والحُكْمِ
وقال أيضاً:
يا خيرَ مَن حملتْ على أوصالِها ... عيرانةٌ سُرُح اليدينِ غَشومُ
إنِّي لمعتذرٌ إليكَ من الَّذي ... أسديتُ إذْ أنا في الضَّلالِ أهيمُ
فاليومَ آمَنَ بالنَّبيِّ محمَّدٍ ... قلبي ومُخطئُ هذِهِ محرومُ
فاغفرْ فدًى لكَ والدايَ كلاهُما ... وارحمْ فإنَّكَ راحمٌ مرحومُ
وعليكَ من سمةِ المليكِ علامةٌ ... نورٌ أغرُّ وخاتمٌ مختومُ
أعطاكَ بعدَ محبَّةٍ برهانَهُ ... شرفاً وبرهانُ الإلهِ عظيمُ
ولقد شهدتُ بأنَّ دينَكَ صادقٌ ... حقٌّ وأنَّكَ في العبادِ جسيمُ
واللهُ يشهدُ أنَّ أحمَدَ مصطفًى ... مستقبلٌ في الصَّالحينَ كريمُ
وقال سُراقة بن جُعْشُم:
أبا حَكَمٍ واللهِ لو كنتَ شاهداً ... لأمرِ جوادي إذْ تسوخُ قوائمُهْ
علِمتَ ولم أشكُكْ بأنَّ حمَّداً ... رسولٌ ببرهانٍ فمنْ ذا يقاومُهْ
عليكَ بكفِّ النَّاسِ عنِّي فإنَّني ... أَرَى أمرَهُ يوماً ستبدُو معالمُهْ
بأمرٍ يودُّ النَّاسُ فيهِ بجمعهمْ ... بأنَّ جميعَ النَّاسِ طرّاً يسالمُهْ
وقال مالك بن نَمَط الهَمْدانيّ، رضي الله عنه:
ذكرتُ رسولَ اللهِ في فحمةِ الدُّجَى ... ونحنُ بأعلى رَحْرَحَان وصَلْدَدِ
وهنَّ بنا خُوصٌ طلائحُ تغتلي ... برُكبانها في لاحبِ متمدّدِ
حلفتُ بربِّ الرَّاقصاتِ إلى منًى ... صوادرَ بالرُّكبانِ من ظهرِ قردَدِ
بأنَّ رسولَ اللهِ فينا مصدَّقٌ ... رسولٌ أتَى من عندِ ذي العرشِ مُهتدِ
فما حملتْ من ناقةٍ فوقَ رحلِها ... أشدَّ على أعدائِهِ من محمَّدِ
وأعطَى إذا ما طالبُ العُرفِ جاءَهُ ... وأمضَى بحدِّ المشرفيِّ المهنَّدِ
وقال أنس بن زنيم الدِّيليّ:
وأنتَ الَّذي تُهدى مَعَدٌّ لأمرِهِ ... بل اللهُ يهديهمْ وقالَ لكَ اشهدِ
وما حملتْ من ناقةٍ فوقَ رحلِها ... أبرَّ وأوفَى ذمَّةً من محمَّدِ
أحثَّ على خيرٍ وأوسعَ نائلاً ... إذا راحَ كالسَّيفِ الصَّقيلِ المهنَّدِ
وأكسَى لبُردِ الخالِ قبلَ سؤالِهِ ... وأعطَى لرأسِ السَّابقِ المتجرِّدِ
تَعَلَّمْ رسولَ اللهِ أنَّكَ مُدركي ... وأنَّ وعيداً منكَ كالأخذِ باليدِ
تَعَلَّمْ رسولَ اللهِ أنَّكَ قادرٌ ... على كلِّ صِرْمٍ مُتهيمنٍ ومُنجِدِ
وقال جَنابٌ الكلبيّ، رضي الله عنه:
يا ركنَ معتمدٍ وعصمةَ لائذٍ ... وملاذَ ممتنعٍ وجارَ مُجاوِرِ
يا مَنْ تخيَّرهُ الإلهُ لخلقِهِ ... وَحَباهُ بالخُلُقِ الزَّكيِّ الطَّاهرِ
أنتَ النَّبيّ وخيرُ عصبةِ آدمٍ ... يا مَنْ يجودُ كفيضِ بحرٍ زاخرٍ
مِيكالُ معكَ وجبرَئيلُ كلاهُما ... مَدَدٌ لنصركَ من عزيزٍ قادرِ
وقال عمرو بن سالم الخُزاعيّ، رضي الله عنه:
يا ربِّ إنِّي ناشدٌ حمَّدا
حِلْفَ أبيهِ وأبينا الأتْلَدَا
إنَّ قريشاً أخلَفوكَ الموعِدا
ونَقَضوا مِيثاقَكَ المؤكَّدا
وجَعَلوا لي في كداءٍ رَصَدا
وزَعَمُوا أنْ لستُ أدعُو أحدا
وهمْ أذلُّ وأقلُّ عَدَدا
همْ بَيَّتُونا بالوتيرِ هُجَّدا
وقَتَلُونا رُكَّعاً وسُجَّدا
فادْعُوا عبادَ اللهِ يأتُوا مَدَدا
فيهمْ رسولُ اللهِ قد تجرَّدا
أبيض مثل البدرِ يَنْمي صُعُدا
في فيلقٍ كالبحرِ يرمِي مُزبدا
فانصُرْ هَداكَ اللهُ نصراً أيَّدا
وقال زهير بن صُرَد، رضي الله عنه:
امنُنْ عَلَيْنا رسولَ اللهِ في كرمٍ ... فإنَّكَ المرءُ نرجوهُ وننتظرُ
يا خيرَ طفلٍ ومولودٍ ومُنتخبٍ ... في العالمينَ إذا ما حُصِّل البَشَرُ
إنْ لم تداركهمُ نعماءُ تنشُرُها ... يا أرجَحَ النَّاسِ حلماً حينَ يُختبرُ
يا خيرَ مَنْ مرحَتْ كُمْتُ الجياد بهِ ... عندَ الهياجِ إذا ما استوقِدَ الشَّررُ
إنَّا لنشكُرُ آلاءً وإنْ كُفرتْ ... وعندَنَا بعدَ هذا اليومِ مدَّخَرُ
إنَّا نؤمِّلُ عفواً منكَ تلبسُهُ ... هذي البريَّة إذْ تعفُو وتنتصرُ
هذا غيض من فيض وسنوالي بإذن الله تعالى
حيث نخوض في أنوار هذه المدائح المباركات